ما الذي يمكن أن يقدمه التاريخ الشفوي للتعامل مع التاريخ المتنازع عليه؟

أُعد هذا الدليل في لبنان، في الحقبة التي تُعرَف بما بعد الحرب، ولكنها لا تخلو من العنف. ما زالت النُظُم السياسية والثقافية والاجتماعية والهيكليات والعلاقات التي أججت نيران الحرب قائمةً حتى يومنا هذا، وغالبًا ما تعود لتشتعل في أشكال جديدة من العنف. وهذه الحالة ليست خاصة بلبنان فحسب، فهي متواجدة في العديد من سياقات ما بعد الحرب وتتفاقم بفعل الروايات المتنافسة حول حقيقة ما حصل في الماضي وفقًا للرأي العام.

يسهل بالتالي تحويل هذا التاريخ المتنازع عليه إلى سلاح لتحقيق غايات سياسية، وتُستخدم الروايات الفردية أو الأحادية لتبرير المواقف الإيديولوجية والخطوات السياسية، مما يؤدي إلى استمرار دورات العنف وتعميق الانقسامات. وفي هذا السياق، يصبح الماضي حاضرًا بقوة، ويصبح التاريخ، لسخرية القدر، بعيد المنال، ويُنظر إلى التاريخ الشفوي كسبيل ملموس للوصول إلى الماضي. تنتشر في لبنان ممارسة جمع الشهادات الشفوية في صفوف النشطاء في إطار تعاملهم مع الماضي. ومع ذلك، تقتصر غالبًا هذه الشهادات على مشروع أو نتيجة محددَين، ولا ترتبط بمشاريع أو نشطاء أو باحثين آخرين. وكلنا أمل أن يصبح هذا الدليل منصة ومرجعًا للتاريخ الشفوي، من أجل نشر التوعية وبناء الشبكات بين المشاريع والأشخاص الذين يستخدمون التاريخ الشفوي في عملهم.

والتاريخ الشفوي هو مجال دراسة وطريقة بحث تقوم على تسجيل الماضي، وتفسيره، وحفظه، ونشره. وبدلًا من التركيز على التاريخ بتمثيله الثنائي لما هو صحيح وما هو خاطئ، يعمل التاريخ الشفوي على جمع سلسلة واسعة ومتنوعة من التجارب والذكريات ووجهات النظر، ويسلط الضوء على كيفية اختبار الناس للماضي وتذكرهم لأحداثه والمعنى الذي يحمله بالنسبة لهم في الحاضر، وذلك عبر إجراء مقابلات معهم حول ما يتذكرونه وما عاشوه من أحداث ماضية.

ومن خلال هذا التعدُّد في الروايات التي قد لا تتماشى مع هذا الجانب أو ذلك من القصة، يستطيع التاريخ الشفوي أن يتفادى الروايات الفردية والمتمركزة حول الهوية، فيقدم فهمًا أكثر تعقيدًا وشمولًا للماضي عبر أصوات الناس العاديين الذين يشكلون غالبية المجتمع.

تقع هذه العلاقات المتوترة بين الحقائق ووجهات النظر، وبين الذكريات وتفسيرها، وبين الماضي والحاضر في صميم التاريخ المتنازع عليه. وبدلًا من التركيز على صياغة سردية ما حدث، يمكن للقوة التحويلية للتاريخ الشفوي أن تخفف من هذه التوترات إذ تسمح لنا بدراسة ما هو متنازع عليه، وما هو غير متكافئ وغير متساوٍ، والأهم من ذلك، السبب وراء ذلك.

وقد يساعدنا ذلك على فهم بعضنا بعضًا والقصص التي تحركنا على مستوى أعمق وعبر الأجيال والمجتمعات والمناطق الجغرافية. وفي ضوء ذلك، يمكن للتاريخ الشفوي أن يلعب دورًا مهمًا في التعامل مع الماضي وفي توفير الدعم للجهود المبذولة لتحويل النزاع.